سورة الروم - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)}
لما بين الإعادة والقدرة عليها بالمثل بعد الدليلين بين الوحدانية أيضاً بالمثل بعد الدليل، ومعناه أن يكون له مملوك لا يكون شريكاً له في ماله ولا يكون له حرمة مثل حرمة سيده فكيف يجوز أن يكون عباد الله شركاء له وكيف يجوز أن يكون لهم عظمة مثل عظمة الله تعالى حتى يعبدوا، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: ينبغي أن يكون بين المثل والممثل به مشابهة ما، ثم إن كان بينهما مخالفة فقد يكون مؤكداً لمعنى المثل وقد يكون موهناً له وهاهنا وجه المشابهة معلوم، وأما المخالفة فموجودة أيضاً وهي مؤكدة وذلك من وجوه:
أحدها: قوله: {مّنْ أَنفُسِكُمْ} يعني ضرب لكم مثلاً من أنفسكم مع حقارتها ونقصانها وعجزها، وقاس نفسه عليكم مع عظمها وكمالها وقدرتها.
وثانيها: قوله: {مِمَّا مَلَكَتْ أيمانكم} يعني عبدكم لكم عليهم ملك اليد وهو طار (ئ) قابل للنقل والزوال، أما النقل فبالبيع وغيره والزوال بالعتق ومملوك الله لا خروج له من ملك الله بوجه من الوجوه، فإذا لم يجز أن يكون مملوك يمينكم شريكاً لكم مع أنه يجوز أن يصير مثلكم من جميع الوجوه، بل هو في الحال مثلكم في الآدمية حتى أنكم ليس لكم تصرف في روحه وآدميته بقتل وقطع وليس لكم منعهم من العبادة وقضاء الحاجة، فكيف يجوز أن يكون مملوك الله الذي هو مملوكه من جميع الوجوه شريكاً له.
وثالثها: قوله: {مّن شُرَكَاء فِيمَا رزقناكم} يعني الذي لكم هو في الحقيقة ليس لكم بل هو من الله ومن رزقه والذي من الله فهو في الحقيقة له فإذا لم يجز أن يكون لكم شريك في مالكم من حيث الاسم، فكيف يجوز أن يكون له شريك فيما له من حيث الحقيقة وقوله: {فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء} أي هل أنتم ومماليككم في شيء مما تملكون سواء ليس كذلك فلا يكون لله شريك في شيء مما يملكه، لكن كل شيء فهو لله فما تدعون إلهيته لا يملك شيئاً أصلاً ولا مثقال ذرة من خردل فلا يعبد لعظمته ولا لمنفعة تصل إليكم منه، وأما قولكم هؤلاء شفعاؤنا فليس كذلك، لأن المملوك هل له عندكم حرمة كحرمة الأحرار وإذا لم يكن للملوك مع مساواته إياكم في الحقيقة والصفة عندكم حرمة، فكيف يكون حال المماليك الذين لا مساواة بينهم وبين المالك بوجه من الوجوه وإلى هذا أشار بقوله: {تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ}.
المسألة الثانية: بهذا نفى جميع وجوه حسن العبادة عن الغير لأن الأغيار إذا لم يصلحوا للشركة فليس لهم ملك ولا ملك، فلا عظمة لهم حتى يعبدوا لعظمتهم ولا يرتجى منهم منفعة لعدم ملكهم حتى يعبدوا لنفع وليس لهم قوة وقدرة لأنهم عبيد والعبد المملوك لا يقدر على شيء فلا تخافوهم كما تخافون أنفسكم، فكيف تخافونهم خوفاً أكثر من خوفكم بعضاً من بعض حتى تعبدوهم للخوف.
ثم قال تعالى: {كَذَلِكَ نُفَصّلُ الأيات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي نبينها بالدلائل والبراهين القطعية والأمثلة والمحاكيات الإقناعية لقوم يعقلون، يعني لا يخفى الأمر بعد ذلك إلا على من لا يكون له عقل.


{بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)}
أي لا يجوز أن يشرك بالمالك مملوكه ولكن الذين أشركوا اتبعوا أهواءهم من غير علم وأثبتوا شركاء من غير دليل، ثم بين أن ذلك بإرادة الله بقوله: {فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ الله} أي هؤلاء أضلهم الله فلا هادي لهم، فينبغي أن لا يحزنك قولهم، وهاهنا لطيفة وهي أن قوله: {فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ الله} مقو لما تقدم وذلك لأنه لما قال لأن الله لا شريك له بوجه ما ثم قال تعالى بل المشركون يشركون من غير علم، يقال فيه أنت أثبت لهم تصرفاً على خلاف رضاه والسيد العزيز هو الذي لا يقدر عبده على تصرف يخالف رضاه، فقال: إن ذلك ليس باستقلاله بل بإرادة الله وما لهم من ناصرين، لما تركوا الله تركهم الله ومن أخذوه لا يغني عنهم شيئاً فلا ناصر لهم.


{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)}
ثم قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ الله التى فَطَرَ الناس عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} أي إذا تبين الأمر وظهرت الوحدانية ولم يهتد المشرك فلا تلتفت أنت إليهم وأقم وجهك للدين، وقوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ} أي أقبل بكلك على الدين عبر عن الذات بالوجه كما قال تعالى: {كُلُّ شَيء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] أي ذاته بصفاته، وقوله: {حَنِيفاً} أي مائلاً عن كل ما عداه أي أقبل على الدين ومل عن كل شيء أي لا يكون في قلبك شيء آخر فتعود إليه، وهذا قريب من معنى قوله: {وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين} [الروم: 31] ثم قال الله تعالى: {فطرت الله} أي الزم فطرة الله وهي التوحيد فإن الله فطر الناس عليه حيث أخذهم من ظهر آدم وسألهم {أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ} [الأعراف: 172] فقالوا: بلى، وقوله تعالى: {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} فيه وجوه، قال بعض المفسرين هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن حيث لم يؤمن قومه فقال هم خلقوا للشقاوة ومن كتب شقياً لا يسعد، وقيل: {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} أي الوحدانية مترسخة فيهم لا تغير لها حتى إن سألتهم من خلق السموات والأرض يقولون الله، لكن الإيمان الفطري غير كاف. ويحتمل أن يقال خلق الله الخلق لعبادته وهم كلهم عبيده لا تبديل لخلق الله أي ليس كونهم عبيداً مثل كون المملوك عبداً لإنسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره ويخرج عن ملكه بالعتق بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودية، وهذا لبيان فساد قول من يقول العبادة لتحصيل الكمال والعبد يكمل بالعبادة فلا يبقى عليه تكليف، وقول المشركين: إن الناقص لا يصلح لعبادة الله، وإنما الإنسان عبد الكواكب والكواكب عبيد الله، وقول النصارى إن عيسى كان يحل الله فيه وصار إلهاً فقال: {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} بل كلهم عبيد لا خروج لهم عن ذلك.
ثم قال تعالى: {ذلك الدين القيم} الذي لا عوج فيه {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أن ذلك هو الدين المستقيم.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10